سبر الأغوار
|
سبر الأغوار
نعلم جيدًا أنه حين يقال عن شخص ما أنه سَبَر غوْر شيء من العلوم أو المعارف فإن ذلك يعني أنه قد بلغ مبلغًا رفيعًا في هذا العلم وقدرًا لا يستهان به عند أصحاب العقل والفهم ؛ وهكذا يطلق هذا التعبير على سبيل الكناية عمن تعمق في الشيء حتى بلغ أو شارف على نهايته ومثل هذل هذا لا بد أنه يكون على قدر من التمكن واضح لا يمكن المراء فيه ؛ على أن هذا الاصطلاح قد اقترب من جانب العلم أكثر من غيره من الجوانب ؛ فغالب إطلاقه يكون للعلماء الذين تبحروا في العلوم وتزودوا منها حتى أنهم كما يقال عن بعضهم أنه سبر غوركذا من العلوم أي بلغ فيه مبلغًا عظيمًا ، وهكذا يكون هذا الاصطلاح صالحًا لأن يستخدم في جميع أمولا الحياة ؛ فقد مثلاً : أحمد سبر غور تجارة الأسهم!! ؛ أو علي سبر غور التعامل مع موظفي الدوائر الحكومية ، وهكذا يمكن لنا أن نتوسع في هذا المصطلح حتى يشمل أكثر من أمر من أمور الحياة .
والجالب لمثل هذا الحديث الذي قد يتسم بشيء من الغرابة – لندرة الحديث عن مثل هذه المواضيع – هو ما نشهده في عصرنا الحديث من سبرٍ لأغوار كثيرٍ من الملهيات بل من المعاصي أحيانًا ؛ ففلان من الناس قد سبر غور لعبة كرة القدم فغدا لاعبًا محترفًا – كما يقولون – ثم يصبح هذا اللاعب سلعةً يباع ويشترى وكأنك في سوقٍ للنخاسة يباع فيه عبدٌ مميٌز يستحق مثله أن تدفع فيه أغلى الأثمان ، او فلان سبرَ غور لعبة (البلاي ستيشن) – هذه اللعبة التي قد سحرت الكبار قبل أن تسحر الصغار فتجدهم يمضون أوقاتًا طويلة أمامها دون أن يشعروا بشيء من حولهم- ونتيجة طبعية لهذا الأمر فسيسبرون غور هذه اللعبة بل ويعرفون جميع أسرارها ، أو نسمع أيضًا أن فلانًا قد سبر غور سوق من الأسواق التجارية حتى أصبح يحفظ جميع مداخله ومخارجه بل تعدى ذلك لأن يعرف أشكال البائعين في المحلات بل وبعضهم تعدى ذلك كله لأن يُعرف له موقفٌ خاصٌ لسيارته الفارهة ، بل والأدهى من ذلك – وولله الشكوى – أنه أصبح يعرف مرتادات السوق من نساء المسلمين ، وهكذا نرى نماذج عدة في سبْرِ أغوار أشياء لم نكن نتوقع أن نسمع فضلاً على أن نرى مثل هذه الأمور .
وبعد ، هل لنا أن نرى أو حتى نسمع من سبر غور كذا وكذا من الأجهزة التي تنفع المسلمين في دينهم والدفاع عنه ، وهل لنا أن نسمع عمن يخترع سلاحًا نواجه به أمم الكفر مما لايوجد ولا يقدرون على مثله امتثالاً لأمر الله : (( وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ... )) ، وهل لنا أن نرى من يسبر غور نفوس الشباب الذين قد ضلوا عن السبيل فيدخل إلى سويداء قلوبهم ليهديهم إلى طريق الخير والرشاد ، وهل لنا أن نرى أبطالأً من شباب الأمة ممن يسبرون غور القرآن الكريم حفظًا وتعلمًا وتعليمًا ليكون لهم ذلك الشرف إلى يوم القيامة؟؟.
لا أشك أن أمثال هؤلاء موجودون بين أظهرنا – وهم إن شاء الله كثير ولله الحمد – ولكن الأمل في الله أولاً ثم في هذه الأمة أن نرى ذلك الأمر هو الغالب على غيره من الأمور السافلة الأخرى ؛ والله المستعان.
عبدالعزيز العماري
|
آخر تحديث
10/21/2009 12:49:13 PM
|
|
|