أحداث العالم متنوعة! ،فمشهد يبعث على الضحك وآخر يدعوك إلى البكاء ، ومشهد قيه المأساة ومشهد فيه الملهاة ، ومشهد ترى الدم فيه لونًا للوجوه البائسة المضطهدة ، وآخر ترى الأصباغ الملونة تعلو الوجوه اللاهية اللاعبة..
ومن هنا يكون اختلال الوزن وعدم الجمع بين الحالين في وقت واحد ، فإما أن تكون بائسًا باكيًا حزينًا لحال المسلمين يعتصرك الألم لمصابهم وجراحهم ، وإما أن يصيب الشخص مثل ذلك في هوى ومجون وحب مزعوم ، فالحزن هو الحزن ولكن شتان بين الحالين!!
وفرْق الألوان يبدو واضحًا كذلك حين تجد حماسًا واندفاعًا محمومًا نحو فكرة تخدم بها دينك أو تشترك بها في أجر تناله في آخرتك ، أو أن يكون حماسًا مصروفًا للعب والهزل والجري وراء سفاسف الأمور وأدناها منزلة.
وهكذا يبدو فرْق الألوان حين تجد من يتفق ماله ابتغاء وجه الله U ،لا يبالي ولا يحسب لما أنفقه في سبيل الله U ، تجده مقدامًا لفعل الخيرات ؛ لأن ميزانه في ذلك بأنه يدخر إنفاقه لآخرته ، فرقٌ بينه وبين ذلك الشخص الذي يبذل ماله في كل منكر ؛ بل ويبخل إذا أريد منه الإنفاق في سبيل الله U ثم تراه سخيًا يبذل الكثير والكثير جدًا حين ينفق في سبيل الشيطان وغواية عباد الرحمن U ، وهو أول الداعمين دائمًا إذا طرح عليه مشروع ماجن يعج بالشر والمنكرات...إنه فرق بين واضح ، وشتان بين الحالين، وشتان بين اليزيدن في الندى!!
بل إن فرق الألوان تراه في أمور تبعث على الغرابة والعجب فترى –مثلاً- من يحافظ على وقته كثيرًا ويقدس أوقاتًا معينة ، ولايمكن مهما صار أن يتخلف عن موعده ولو كان الثمن بالنسبة له غاليًا ؛ فهناك من لا يرضى أن تفوته موعد الصلاة مع الجماعة ، ويدرك من حوله أن فلان هذا سيضحي بأي شيء في سبيل أن يدرك الصلاة مع الجماعة ، وفي المقابل تجد شخصًا آخر لا يرضى أن تفوته موعد ( مباراة) كرة قدم بل ربما ضحى بالأمر الذي حرص عليه الأول من أجل الكرة والكرة فقط !! ، فشتان أيضًا بين الحالين...
إن فرْق الألوان هذا قد حكى الله U عنه في غير ماموضع من كتابه الكريم فيقول سبحانه: (...قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور...) الرعد-16 ، ويقول U : ( وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلاً ماتتذكرون)غافر-58 ، وبقول U أيضًا :( ومايستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولاالنور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء والأموات إن الله يسمع من يشاء وماأنت بسمع من القبور إن أنت إلا نذير)فاطر-19.
إذن فمسألة فرق الألوان مسألة واضحة بينة فعندما يختار المهتدي والذي منَّ الله U عليه طريق الهداية والرشاد ، سنجد كذلك من يختار لنفسه طريق الغواية والفساد ، وعندما يسلك المؤمنون طريق الرحمن ؛ حتمًا ستجد من الضلال من سلك طريق الشيطان ، وهكذا يختار كل إنسان طريقه وسبيله ، (( و هديناه النجدين )) ، فالمبصر العاقل من ارتاد وسلك بل ودعا إلى الهداية والخير والصلاح ؛ والأعمى الغافل من ارتاد وسلك وكذلك دعا إلى الغواية والشر والفساد- والعياذ بالله- .
ثم العجب أن ترى فرق الألوان هذا مطردًا.. فتراه في الشاب الفتي والصغير الصبي كما تراه – والله المستعان – في الشيخ الذي فني!! .
إنه أمر قد عرف واشتهر ولم يبق على المرء إلا أن يختار لنفسه اللون الذي يناسبه ليعيش سعيدًا في آخرته أو ليعيش تعيسًا – والعياذ بالله-.
عبدالعزيز العماري
|